تعديل قانون الأحول الشخصية في العراق.. تزويج الأطفال وسلطة أوسع لرجال الدين

23 أغسطس 2024آخر تحديث :
تعديل قانون الأحول الشخصية في العراق.. تزويج الأطفال وسلطة أوسع لرجال الدين

مرصد مينا

بدأ العراقيون المدافعون عن “مدنيّة الدولة” في العراق المُثقل بالأزمات، جولة جديدة من المواجهة مع الأحزاب والقوى السياسية النافذة والمتحكمة بالمشهد في البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، عندما قرر مجلس النواب إجراء تعديل على قانون “الأحوال الشخصية” المشرّع منذ عام 1959.

وخضع القانون النافذ (188) لسنة 1959، لتسعة تعديلات في الأعوام (1963، 1978، 1980، 1981، 1985، 1986، 1987، 1994، 1999) منذ تشريعه، وهو اليوم مطروح أمام أعضاء البرلمان المؤلّف من 329 نائباً، لإجراء تعديل جديد عليه.

لكن لتعديل يمنح رجال الدين سلطة أوسع في تنظيم الحياة الزوجية وأمور الأسرة، وفقا لـ”فتاوى فقهية” لا تنسجم وفقرات القانون النافذ منذ أكثر من نصف قرن.

وبينما حظي المقترح -الذي تقدم به النائب في مجلس النواب العراقي رائد المالكي- بدعم من عدد من النواب ورجال الدين، وجد معارضة شديدة من المجتمع المدني وقانونيين.

ويتضمن المقترح ثلاث مواد رئيسية، وهي إضافة فقرة إلى المادة الثانية تتيح للعراقيين اختيار المذهب الشيعي أو السني لتطبيق أحكامه على مسائل الأحوال الشخصية، وإلغاء الفقرة الخامسة من المادة العاشرة التي تجرم عقد الزواج خارج المحكمة.

كما يشمل التعديل تصديق المحكمة على عقود الزواج التي يبرمها الأفراد البالغون وفقاً للتخويل الشرعي أو القانوني من القضاء أو ديواني الوقفين الشيعي والسني.

“تقسم مذهبي”

ويرى مؤيدو المقترح أن قانون الأحوال الشخصية المعدل “سيسهم في حماية الأسرة العراقية، وتقليل نسب الطلاق والعنوسة، دون إلغاء القانون الساري”.

في المقابل، يخشى معارضوه من أن التعديل “سيعزز هيمنة الرجل على المرأة، ويسلبها حقوقها كزوجة وأم، ويشجع على تزويج القاصرات والزواج خارج المحاكم”.

لكن الخبير القانوني، محمد جمعة، يقول إن “قانون 188 لسنة 1959 الساري لا يتعارض مع أحكام الشريعة، بل يستند عليها، ولا يوجد فيه ما يخالفها، بل جمعت الأحكام الشريعة الأكثر ملاءمة في قانون واحد”.

وأضاف جمعة في تصريح صحافي أن “مؤيدي التعديل يرون أنه يمنح الزوجين حرية اختيار مصدر الأحكام التي تحكم زواجهما، سواء كان قانون الأحوال الشخصية الحالي أو المذهب الجعفري أو السني”.

لكنه يعتقد أن هذا غير صحيح، “لأن المادة الأولى من التعديل تبدو كأنها تعطي حرية الاختيار، ولكن الفقرة الأخيرة تلغي هذه الحرية، إذ تنص على اللجوء إلى الرأي الشرعي إذا اختلف أفراد الأسرة حول مصدر الأحكام”.

وقدّرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في مارس الماضي أن المحاكم العراقية في جميع أنحاء البلاد صدقت بين يناير وأكتوبر 2023 على 37.727 زواجاً عُقِد خارج إطار المحاكم مقارنة بـ 211.157 زواجاً مدنياً.

قراءة أولى لمشروع القانون

وكان البرلمان العراقي قرر الشروع بالقراءة الأولى في 4 أغسطس الجاري لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، وهو الآن في طور المناقشة قبل أن يُعرض للقراءة والمناقشة الثانية، وينتهي به المطاف إلى التشريع والنفاذ.

في حينها، قالت النائبة عن حركة “حقوق” المنضوية في “الإطار التنسيقي” نادية العبودي، في تدوينة لها:”نرحب بقرار مجلس النواب الذي دعم مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والذي يمنح الحرية للعراقيين بالالتزام بأحوالهم الشخصية وفقا للقانون الحالي أو اختيار تطبيق احكام الشرع الاسلامي”.

وأضافت:”نثمن جهود كل من سعى ومن دافع عن المقترح، ونعدكم بمواصلة العمل مع إخواننا النواب لإقرار هذا المقترح”.

ويستند المدافعون عن تعديل القانون، وهم في الغالب ينتمون لقوى سياسية شيعية، على المادة (41) من الدستور العراقي، والتي تنصّ: “العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون”.

التركز على فقرتين

ويركّز التعديل على فقرتين من أصل القانون النافذ، أحداها، الفقرة الخامسة في المادة العاشرة التي سبق إجراء تعديل عليها عام 1978، التي تفرض عقوبة “الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار (20 ـ 70 سنتاً) كل رجل عقد زواج خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات إذا عقد خارج المحكمة زواجا أخر مع قيام الزوجية”.

ويطلب النواب المدافعون عن تعديل القانون، إجراء تغيير في هذه الفقرة، وأن يحل محلها “تصديق محكمة الأحوال الشخصية عقود الزواج التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين، على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو ديواني الوقف الشيعي والسنّي بإبرام عقود الزواج بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين”.

وبذلك، يمنح التعديل “غطاءً قانونياً” لرجال الدين ممن يبرمون عقود الزواج “الشرعية” خارج أسوار المحاكم العراقية.

زواج القاصرات

ويزعم النائب رائد المالكي الذي تقدم بمشروع القانون، أن “الضجة الكبيرة حول التعديل ناجمة عن عدم التفهم، وهناك اتجاهات توصف بالمدنية تصرُّ على عدم الاستماع لوجهة النظر المختلفة”.

وأضاف:”لذلك نلاحظ أنها تركز على أشياء هامشية غير موجودة في التعديل، ومنها مثلاً قضية زواج القاصرات، مع أن مرجعية النجف نفسها لا تذهب إلى زواج الفتيات في سن التاسعة”.

وعن الجدل حول موضوع “مدونة الأحكام الشرعية” التي يفترض أن تصدر عن الوقفين الشيعي والسني، ورفض المعترضين لها، يقول المالكي إن “المدونة، شأنهأ شأن معظم التشريعات تحال إلى جهة تنفيذية مثلما تحال بقية القوانين إلى الجهات التنفيذية، فقانون النفط مثلاً يحال إلى وزارة النفط قبل إقرار وهكذا”.

ويضيف أن”الوقفين السني والشيعي هما الجهتان التنفيذيتان المرتبطتان بالحكومة في هذه الحال سيقومان بتقديم مدونة الأحكام، وستطرح المدونة أمام رئاسة الوزراء، وسيشترك في مناقشتها مجلس القضاء ومجلس شورى الدولة”.

كما اعتبر المالكي أن “المدونة بمثابة رسم قانوني لمشروع التعديل، ومن ثم ترفع إلى الجهات المعنية، مثل رئاسة الوزراء وبقية الهيئات، وبعد كل ذلك تعود إلى البرلمان لتعديلها، إن تطلب الأمر، ولإجراء التعديلات اللازمة قبل التصويت النهائي عليها”.

رايتس ووتش : آثار كارثية للقانون

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، قالت قبل أيام، إنه “إذا أُقرّ التعديل، ستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي، إذ سيسمح بزواج الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات، وتقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة أوجه حماية للمرأة في الطلاق والميراث”.

وكشف استبيان أجراه “فريق استطلاعات الرأي العراقي”، السبت الماضي، أن أكثر من 60 ألف شخص من كلا الجنسين شاركوا في الاستبيان حول تعديل قانون الأحوال الشخصية، “رفضوا بقوة” مشروع التعديل.

كما أصدرت مجموعة كبيرة من الأكاديميات والفنانات والأديبات العراقيات، الأسبوع الماضي، بياناً رفضن فيه تعديل قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959، لأنه “سيؤدي حتماً إلى طمس الهوية الوطنية، وتغليب الهويات الفرعية والطائفية، وتقويض المكاسب التي تحققت لحماية حقوق النساء، وتعيد العراق إلى مرحلة ما قبل الدولة”.

كما تحذر ناشطات نسويات من أن إقرار التعديل الجديد قد يؤدي إلى “فجوة وفصل في المجتمع العراقي، وتقسيمه بين المذهبين السني والشيعي في مسائل الزواج”.

وشهدت محافظات عراقية مظاهرات كانت في الغالب نسوية، احتجاجاً على التعديل، وتعالت الأصوات المطالبة بالعدول عنه، على إثر ذلك (تشكل تحالف 188) يضم ناشطين وناشطات وسياسيين وقانونيين وبرلمانيين من أجل الضغط على مجلس النواب العراقي لرفض تعديل القانون.

الاخبار العاجلة