- لغة الجسد هنا هي العقد غير المكتوب وتكشف ما قد لا تقوله الكلمات
في عالم السياسة، حيث تُصاغ التحالفات خلف أبواب مغلقة، غالباً ما تتحدث لغة الجسد بصوت أعلى من أي بيان رسمي.
وتعتبر الصور التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو داخل المكتب البيضاوي، ليست مجرد لقطات، بل هي نصوص بصرية تكشف أسرار علاقة تجاوزت حدود الدبلوماسية التقليدية، لتكشف عن ديناميكية “الراعي والوكيل” التي حكمت المشهد.
ما وراء الإيماءات: حين تفضح الأجساد أسرار القوة
لغة الجسد هنا هي العقد غير المكتوب، وتكشف ما قد لا تقوله الكلمات.
1. وضعية “الآمر” و”المتلقي”:
الصورة: يظهر ترمب جالساً خلف مكتبه “Resolute Desk”، رمز القوة التنفيذية المطلقة، وهو يرفع إصبعه بحدة في إيماءة توجيه وأمر. هذه ليست لغة نقاش بين ندين، بل هي لغة من يملي التعليمات أو يمنح التوجيهات.
الدلالة: يجلس ترمب في موقع السلطة، بينما يقف نتنياهو في موقع المتلقي. إن وقوف نتنياهو وانحناء جسده قليلاً نحوه، مع نظرة إصغاء تام، يعكس وضعية من يطلب الدعم ويستمع بانتباه للثمن أو للشروط.
جلوس ترمب وحديث نتنياهو تظهر انصياع نتنياهو لحديث الرئيس الأمريكي.
هذه اللقطة تجسد بوضوح أن الدعم الأمريكي لم يكن منحة مجانية، بل كان قراراً يتخذه ترمب بناءً على رؤيته، ونتنياهو هو الطرف الذي يستجيب ويقبل.
2. المصافحة كـ”عقد اتفاق”:
الصورة: المصافحة عبر المكتب ليست مجرد تحية، بل هي إيماءة لإتمام صفقة. إنها اللحظة التي يتم فيها تأكيد الاتفاق.
الدلالة: لغة الجسد هنا تعبر عن علاقة تبادلية (Transactional). ترمب يقدم غطاءً سياسياً وقرارات تاريخية (مثل نقل السفارة للقدس المحتلة والاعتراف بضم الجولان)، وهي قرارات لا يمكن أن يتخذها كيان الاحتلال منفرداً ويحظى بشرعية دولية.
في المقابل، يقدم نتنياهو لترمب إنجازاً يستطيع تسويقه لقاعدته الانتخابية، خاصة الإنجيليين، ويظهر بمظهر الرئيس القوي الذي يعيد تشكيل العالم وفقاً لأجندة “أمريكا أولاً”. المصافحة هي ختم بصري لهذا العقد.
3. الابتسامة كـ”رسالة قوة موحدة”:
الصورة: الصورة التي يظهران فيها مبتسمين للكاميرا هي الصورة الموجهة للاستهلاك الإعلامي والسياسي.
الدلالة: هذه ليست ابتسامة عفوية، بل هي أداء سياسي مدروس، الهدف هو إرسال رسالة ردع للخصوم في المنطقة، مفادها أن أي تحدٍ لكيان الاحتلال هو تحدٍ مباشر للولايات المتحدة.
كما أنها رسالة لنتنياهو ليعرضها على جمهوره الداخلي كدليل على نجاحه الدبلوماسي غير المسبوق، ورسالة لترمب ليؤكد بها ولاءه لحلفائه. لاحظ أن نتنياهو يقف خلف كتف ترمب قليلاً، مما يعزز لا شعورياً من هو الشريك الأكبر في هذه العلاقة.
ثانياً: الدلالات السياسية العميقة – علاقة الراعي بالوكيل
تكشف لغة الجسد عن بنية العلاقة السياسية العميقة التي تتجاوز التحالف إلى علاقة الراعي (Patron) بالوكيل (Client).
الراعي (ترمب): هو من يمتلك مصادر القوة الحقيقية: الشرعية الدولية، القوة العسكرية، والنفوذ الدبلوماسي. هو من “يمنح” الاعتراف و”يوفر” الغطاء السياسي لأفعال تتجاوز القانون الدولي. القرارات التي اتخذها ترمب لم تكن لتحدث لولا وجوده في السلطة، وهي تمثل استثماراً سياسياً له شخصياً.
الوكيل (نتنياهو): هو من يستفيد من هذه الرعاية لتنفيذ أجندته على الأرض. لقد سمحت له هذه العلاقة بتحقيق أهداف سياسية طالما اعتبرت مستحيلة، مثل الحصول على اعتراف أمريكي بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال، وتثبيت سيطرته على الجولان المحتل.
لقد تصرف نتنياهو بثقة مطلقة على الساحة الإقليمية، مدركاً أن أي رد فعل ضده سيصطدم بالفيتو والحماية التي يوفرها الراعي في واشنطن.
هذه الصور هي وثيقة تاريخية لفترة تم فيها تطويع السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كامل لخدمة أجندة كيان الاحتلال، في سياق علاقة شخصية وتبادلية بين زعيمين.
لغة الجسد تفضح التسلسل الهرمي لهذه العلاقة: ترمب هو صاحب القرار والسلطة، ونتنياهو هو المستفيد المباشر والمتلقي لهذا الدعم الاستثنائي.
إنها ليست صوراً لتحالف بين دولتين متساويتين، بل هي تجسيد لعلاقة قوة غير متكافئة، تم فيها استخدام هيبة المكتب البيضاوي لتوفير الشرعية لسياسات الاحتلال والتوسع على حساب الحقوق والقانون الدولي.