- العلماء وضعوا 15 سيناريو مختلفاً للسنوات الخمسين المقبلة
دق علماء المناخ في بريطانيا ناقوس الخطر، محذرين من أن موجات الحر القاتلة قد تصبح واقعاً مأساوياً ومستمراً في البلاد، حيث كشفت دراسة علمية حديثة أن عدد الوفيات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة قد يقفز إلى 34 ألف حالة وفاة سنوياً بحلول سبعينيات القرن الحالي، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية على الصعيدين العالمي والمحلي.
هذا الرقم الصادم، الذي يعادل تقريباً عدد الوفيات السنوي بسبب حوادث الطرق في الاتحاد الأوروبي بأكمله، جاء ضمن دراسة معمقة أجراها باحثون في جامعة أكسفورد، ونُشرت في المجلات العلمية المرموقة، مقدمةً صورة قاتمة لمستقبل الصيف البريطاني في ظل أزمة تغير المناخ.
15 سيناريو لمستقبل بريطانيا
استند العلماء في تحذيرهم على نماذج محاكاة معقدة، حيث وضعوا 15 سيناريو مختلفاً للسنوات الخمسين المقبلة.
تجمع هذه السيناريوهات بين مستويات متفاوتة من الاحتباس الحراري العالمي (تتراوح بين 1.5 و 4 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة)، مع درجات متفاوتة من قدرة المملكة المتحدة على التكيف مع هذا الواقع الجديد.
وأوضحت الدراسة أن الرقم الكارثي (34 ألف وفاة سنوياً) يمثل السيناريو الأسوأ، والذي يفترض استمرار ارتفاع الانبعاثات الكربونية عالمياً ليصل الاحترار إلى 4 درجات مئوية، مع فشل بريطانيا في تطبيق إجراءات تكيف فعالة على المستوى الوطني.
في المقابل، قدمت الدراسة بصيص أمل، مشيرة إلى أنه في أفضل السيناريوهات – والذي يفترض نجاح العالم في حصر الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية مع تطبيق بريطانيا لخطط تكيف شاملة – يمكن خفض عدد الوفيات بشكل كبير، لكنها لن تختفي تماماً.
الواقع الحالي.. تحذير لا يمكن تجاهله
تأتي هذه التوقعات المستقبلية في وقت لا تزال فيه بريطانيا تستوعب آثار موجات الحر التي شهدتها في السنوات الأخيرة. ففي صيف عام 2022، الذي سجلت فيه البلاد درجة حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية لأول مرة في تاريخها، وثقت وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة (UKHSA) وهيئة الإحصاء الوطنية آلاف الوفيات الزائدة المرتبطة بشكل مباشر بالحرارة المرتفعة.
هذه الأرقام الواقعية تمنح مصداقية أكبر لتحذيرات العلماء، وتؤكد أن الخطر لم يعد نظرية مستقبلية، بل هو واقع بدأ يطرق الأبواب بالفعل.
من هم الأكثر عرضة للخطر؟
شددت الدراسة على أن خطر الوفاة بسبب الحر لا يتوزع بالتساوي بين السكان، حيث تتركز المخاطر بشكل كبير بين الفئات الأكثر ضعفاً، وهم:
كبار السن، خاصة من تجاوزوا 75 عاماً.
الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة، وعلى رأسها أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي.
الأطفال والرضع.
سكان المدن الذين يعيشون في شقق سيئة التهوية أو في “جزر حرارية حضرية”، حيث تكون درجات الحرارة أعلى من المناطق الريفية المحيطة.
مساران للمواجهة: التخفيف والتكيف
يجمع الخبراء على أن مواجهة هذا التهديد تتطلب العمل على مسارين متوازيين:
التخفيف (Mitigation): ويشمل الجهود العالمية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل جذري، للحد من الاحتباس الحراري ومنع الوصول إلى السيناريوهات الأسوأ.
التكيف (Adaptation): ويشمل الإجراءات التي يجب على بريطانيا اتخاذها داخلياً للتعايش مع درجات الحرارة التي أصبحت حتمية، مثل تحديث معايير البناء لتحسين العزل والتهوية، وزيادة المساحات الخضراء في المدن، وتقوية أنظمة الإنذار المبكر والخطط الصحية للتعامل مع موجات الحر.
و يؤكد العلماء أن دراستهم ليست نبوءة حتمية، بل هي تحذير علمي صارخ. فمستقبل بريطانيا وقدرتها على حماية مواطنيها من “القاتل الصامت” يعتمد كلياً على القرارات والإجراءات التي سيتخذها العالم، والحكومة البريطانية، اليوم وليس غداً.