زاوية مينا
هذه امريكا، لامشكلة لها مع الكذّاب، سوى أنها تحتقر الضعيف، وفي مناظرة بايدن/ ترامب، بدا بايدن عجوزاً إذا لم يفقد الذاكرة فقد عجز عن استحضارها، على العكس من ترامب الذي يعرف كيف يخترع ذاكرة كما يعرف بالتمام والكمال كيف يلقيها في وجه الناخب الامريكي بعد أن يلقيها في وجه خصمه.
الناخب الأمركي هنا بالنسبة لترامب ليس استاذاً جامعياً، ولا ممن حمل جائزة نوبل، ناخبه هو ابن الشارع والرصيف والمزرعة، وذاك القادم توّاً من صالات السينما التي طالما صفّقت للقادم من الغرب وفي مذخّر مسدسه ما لاينضب من الطلقات، فيما لم تزد صفات جو بايدن عن :
ـ الرجل الطيب.
والطيب في الثقافة الأمريكية هو ذاك الرجل الذي ترحّب به بيوت العجزة وتفتح له ذراعيها.
مناظرة تشدّ المشاهد كما لو مباراة صراع ديكة، غير أن الحلبة لم تتسع لديكي معاً فعليها وقفت دجاجة بمواجهة ديك يمكن اختزال صفاته بـ :
ـ وقح / كذاب / بالغ الذكاء، ولكنه جذّاب بما يكفي ليكون زير نساء أو لنقل سوبرمان ولص مصارف ومقابله:
ـ رجل متردد، عاجز، ساقاه لاتحملاه، تضيع وقائع صدقه مع تلك الجلبة الفظيعة التي يحدثها خصمه حتى وهو يقف صامتاً، متابعاً لردود خصمه، يحكي بلغة الجسد والإشارة مالا تنطق به اللغة الإنكليزية بخصائصها الأمريكية التي تلعب على الإيقاع.
مناظرة ستقرر من هو الرئيس القادم لأمريكا، وليس من شك في أن دونالد ترامب قد سرق نصف الرئاسة فإن لم يكن قد انتصر في المناظرة فهو بالقطع هزم خصمه.
العالم، كل العالم لابد ينتظر من سيكون رئيساً لأقوى بلد في العالم، للولايات التي بنت نفسها على إبادة السكّان الأصليين ولم تتعثر في شن حروبها على العالم، مرة بالوكالة وثانية بالأصالة دون أن تُهزّم ولو مرة واحدة حتى وجنودها يتساقطون تحت ضربات الفيتناميين في النصف الاول من القرن العشرين فيما ينسحبون بخطوة مذلة من أفغانستان مطلع القرن الواحد والعشرين.
فالهزيمة والنصر، كلتاهما مصطلحان يغيبان عن وصف أمريكا ليكون نصرها هو غير مايراه العالم من انتصار، فيما هزيمتها هي كذلك غير ما يراه العالم من هزائم، فسلطة الدولار تسطو على سلطة البارجة الحربية، وقوّة وول ستريت تتجاوز في قوّتها الجيوش المحتشدة، فهي إن لم تحتل تسطو، وإن لم تهيمن فلن تعجز عن خلق عملائها في كل مكان، حتى باتت “الولايات المتحدة” قدر يساوي في قوته جميع الأقدار فمن لا ترضى عنه يغرق، ومن تمسك بيده يصعد، وهكذا كان لإسرائيل من القوّة ماكان لنجمة أمريكية على علم أمريكي وكان دونالد ترامب أشدّ إسرائيلية من خصمه جو بايدن وكان دونالد ترامب قد وصفه بـ “الفلسطيني الضعيف” قاصداً شتمه مرتين، فالفلسطيني بالنسبة لدونالد ترامب مفردة تعني شتيمة والضعف شتيمة مضافة، وهذه هي أمريكا التي قال عنها وزير خارجيتها انتوني بلينكن:
ـ لو لم تكن إسرائيل لخلقناها.
فوز دونالد ترامب قد بات مضموناً، فإن لم يكن فوزه مضموناً فهزيمة خصمه باتت واقعاً، وإذا مافاز سيكون السؤال التالي عن اليوم التالي:
ـ ماهي انعكاسات فوزه على الشرق الأوسط؟.
هو السؤال الصعب، ذلك أنه ليس من السهل أبداً تصديق ترامب إذا وعد، غير أن وعوده لابد وسيكون على رأسها:
ـ حرب مع إسرائيل وحروب على إيران.
وما بينهما حكايات الهجرة والمسألة الاوكرانية، والمحبب إلى قلبه فلاديمير بوتين.
خصمان في السياسة يجمعهما حسّ القيصر.. قيصر في موسكو القيصرية وقيصر في البيت الأبيض المولود من حضن الجمهورية.