رحل المفكر اللبناني جورج قرم عن 84 عاماً تاركاً خلفه إرثاً معرفياً مُثرياً في الاقتصاد والقانون والسياسة ومقارنة الأديان إلى جانب الفلسفة وشغفه في الموسيقا.
منذ طفولته حيث ولد في الاسكندرية لأسرة لبنانية تنحدر من كسروان، انشغل جورج قرم بفضاءات القانون، الاقتصاد، العلوم الاجتماعية والفلسفة رغم شغفه بالموسيقاَ. وكان لِقرم ما أراد إذ تخرج في معهد الدراسات السياسية بباريس ثم في جامعة باريس – كلية الحقوق والاقتصاد.
كانت أسرته معروفة بالعراقة والثقافة الواسعة إلى جانب انشغالها بالفنون في إطار انخراطها في مشروع النهضة العربية.
انتقل قرم إلى فرنسا بعد الثانوية العامة والتحق ب (كونسرفاتوار باريس) متمرّداً على رغبة والده الذي رفض جنوح ابنه صوب الموسيقاَ. وخلال سني الدراسة، عمل الشاب القادم من شرق المتوسط نادلا في مطعم باريسي لكي يؤمن لقمة عيشه.
وفي مرحلة لاحقة، استسلم قرم لأوامر والده واتجه لدراسة الاقتصاد والقانون.
إرث معرفي واسع
بعد تخرجه، انكب قرم على الكتابة بغزارة عن الأوضاع الاقتصادية والاِستعصاء السياسي في لبنان وسائر العالم العربي ناهيك عن انشغاله بالوضع الطائفي في بلده الأم؛ الذي تظلّله 18 مذهباً. ولذا أنتج سلسلة كتب بحثية توثيقية في مقدمتها “السياسة الاقتصادية والتصميم في لبنان” و “تعدد الأديان وأنظمة الحكم”. كما ترك عناوين: “تاريخ الشرق الأوسط من الأزمنة القديمة إلى اليوم”، “تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب”، “انفجار المشرق العربي من تأميم قناة السويس (1956) إلى غزة العراق (2003)”، لبنان المعاصر.. التاريخ والمجتمع/ Le Liban Contemporain: Histoire et société
كما ترك عناوين في مقارنة الحضارات والأديان منها “شرق وغرب.. الشرخ الأسطوري” و “المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين”
عمل قرم استاذاً محاضراً في جامعات اليسوعية واللبنانية والأميرِكية في بيروت ناهيك عن انخراطه في سلسلة محاضرات في جامعات أمريكية وأوروبية.
بين الاقتصاد والسياسة
أختير قرم وزيرا للمالية في لبنان بين عامي 1998 و 2000.
لكن ابن العائلة الأرستقراطية ظلّ وفياَ للبحث والتأليف فكان مثقفا علمانياً و نقديا و تنويريا.
تأثر كثيرا بشخصية الراحل جمال عبد الناصر (1954-1970) وانتمى إلى مدارس أحمد أمين وطه حسين وعلي عبد الرازق و أحمد فارس الشدياق؛ وبذلك ظلّ ابناً حقيقيا لمشروع النهضة العربية في مصادرها التنويرية.
كُتب وسيُكتب الكثير عن جورج قرم الذي لم تفارقه الضحكة أبدا حتى بعد لحظة مماته في 14/08/2024، مخلفا عشرات الكتب في مراحل عديدة من سنيي حياته.