مرصد مينا
هي ليست مسرحية كما يتراءى لعشّاق الغرف الخلفية، هي حرب جدّية تشهدها المنطقة ما بين طامحَين للاستيلاء على الجغرافية السياسية بما تعني من موارد وعقائد ومصير، طرفيها متشابهان ينحدران إلى أقصى التطرف، دلالة كل منهما في الآخر “العدو”، فما ارتكبته إسرائيل من مجازر، يتجاوز ضرورات الدولة، إلى ما يمكنها اعتباره فضيلة “الوعد”، ليقابلها على الطرف الآخر مثيلها في نهم التوسع والطموح إلى السيطرة، ولكل منهما خريطة مفتوحة لاحدود لها، ولو لم يكن الأمر كذلك لما بقيت إسرائيل وطيلة ٧٥ سنة من إعلان الدولة بلا خريطة، ولما ذهبت طهران إلى تجاوز حدود الدولة على ما تسميه امتداد الثورة، والمنطقة برمتها تقع ما بين الجحيمين:
ـ جحيم الألة العسكرية الإسرائيلية، وليس ثمة ما يبرهن عنه كما الوقائع اليومية لحرب غزة.
وجحيم اللاهوت الإيرانية بما ترك من عواصم مُفقّرة، أخرجها من زمن ما بعد الثورة الصناعية الخامسة إلى زمن الكهوف.
وهذه الحرب تتصل دون أي نافذة لإغلاقها، وفي الوقائع، فإن الضربة الاسرائيلية لسفارة طهران في دمشق، استلزم ردّاً إيرانياً، والرد سيقود إلى ردّ، وما من ردّ على ردّ يحسم، مع ملاحظة الانكشاف الصريح للآلة العسكرية الإيرانية وقد ثبت عجزها وتخلّفها بمواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية، بعد أن أطلقت إيران أعداداً هائلة من صناعاتها الحربية باتجاه إسرائيل، لتُدمَر قبل أن تصل، أو تسقط في فراغات لاتعني في حسابات الحرب شيئاً.
في حسابات الربح والخسارة، ليس ثمة من بين المتحاربين من يحسب لها، فالعقيدة الإيرانية تزف الضحية إلى ما تجري من تحتها الأنهار، وفي العقيدة الإسرائيلية، فهذا بنيامين نتنياهو يبحث عن عرش النبوّة ليتحوّل إلى ملك لإسرائيل، وفي مجمل الصيغة وتداعياتها، فالاحتمال المرجّح أن تتسع الحرب لتطال المنطقة كل المنطقة وقد فرضت إسرائيل على حلفائها ما اختارته، فيما اشتغلت إيران ومنذ انطلاقة مرشدها على تحويل الحليف إلى أجير، وبالنتيجة لا الولايات المتحدة قادرة على لجم تطلعات بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي، ولا أجراء طهران قادرين على إعادة حساباتهم والتطلع إلى مصالح الدول العربية التي زرعوا فيها، فلا الحكومة العراقية قادرة على “ضبّ” الحشد الشعبي، ولا للبنان حكومة يُحتّكم إليها في قرارات السلم والحرب، أما اليمن وقد لُقّب بـ “السعيد” فحجم البلاء الذي حلّ به، جعله بلد “القات” بديلاً عن بلاد “البن”، دون أن يتبقّى له من التاريخ لاسدّ مأرب ولا الفاتنة تلك الملكة المسماة بلقيس.
الحرب ستتسع وستطال الجميع، وإذا كان ثمة متضرر أكبر فقد يكون الأردن، اقلّه والإسلاميون يشحنون الشارع بما جعل الشارع الأردني رصيفين:
ـ اولهما الرصيف الإسلامي بما يحمل من غرائز وضوضاء.
ورصيف الملك وقد بات تحت وابل واحد من خيارين:
ـ ازقة مقابل أزقة.
مع ملاحظة أن حماس إذا ما انُتزعت من غزة، فسيكون الأردن وطنها البديل، والعنوان:
ـ “حماس لاند”.
ما يحدث ليس مسرحاً.
ما يحدث هو صراع المتشابهين.