المشهد المعاصر | “مهندس” القهوة.. خالد بين حلم معلّق بين الرسوم الهندسية ورائحة البن

2 يونيو 2025Last Update :
المشهد المعاصر | “مهندس” القهوة.. خالد بين حلم معلّق بين الرسوم الهندسية ورائحة البن

قهوة – تعبيرية

1

Image 1 from gallery

نشر :  

منذ 18 دقيقة|

اخر تحديث :  

منذ 17 دقيقة|

  • قصة خالد تحمل في طياتها طموح آلاف الشباب الأردنيين والعرب الذين يحملون شهادات جامعية ويواجهون تحديات البطالة

في قلب منطقة ماركا الشمالية في العاصمة عمان، حيث تختلط أصوات الباعة بضجيج السيارات، يقف الشاب العشريني خالد خلف كشك صغير لبيع القهوة. يرتدي قميصاً بسيطاً، وعلى وجهه ابتسامة هادئة تخفي وراءها قصة كفاح، وحلماً معمارياً كبيراً ينتظر فرصة التحقق. خالد، الذي تخرج من الجامعة بشهادة الهندسة المعمارية، وجد نفسه اليوم يتقاضى أجرة يومية لا تتعدى العشرة دنانير، ليُعيل أسرته المكونة من خمسة أفراد في منزل مستأجر.


شهادة معمارية.. ومستقبل معلق

تخرج خالد (25 عاماً) قبل عامين من إحدى الجامعات الأردنية المرموقة، حاملاً شهادة الهندسة المعمارية، وراسماً في مخيلته تصاميم لمبانٍ شاهقة ومساحات عصرية. كان يتوقع أن يبدأ مسيرته المهنية فوراً في أحد المكاتب الهندسية الكبرى، أو يشارك في مشاريع تطوير حضري. لكن الواقع كان أقسى مما تخيل.

“بعد التخرج، أرسلت سيرتي الذاتية لمئات الشركات، حضرت مقابلات عديدة، لكن الإجابة كانت دائماً واحدة: ‘سنعاود الاتصال بك’ أو ‘نبحث عن خبرة أطول'”، يقول خالد بنبرة تحمل مزيجاً من خيبة الأمل والإصرار. تكرار الرفض أصاب خالد بالإحباط، لكنه لم ييأس. فمسؤولية إعالة أسرته المكونة من والديه وثلاثة أشقاء صغار، بالإضافة إلى دفع إيجار المنزل، كانت دافعاً أكبر من أي إحباط.

“كشك القهوة”.. محطة مؤقتة لمشروع كبير

لم يستسلم خالد لفكرة الجلوس في المنزل دون عمل. بعد بحث مضنٍ، وجد فرصة عمل في كشك لبيع القهوة في ماركا الشمالية، حيث يعمل لمدة ثماني ساعات يومياً مقابل عشرة دنانير. “المهندس المفروض يكون مكتبه مكيف، وأنا هون بين دخان السيارات وحرارة الشمس. بس الحمد لله، هذا أحسن من لا شيء”، يقول خالد وهو يصب القهوة لزبون.

عمله في كشك القهوة لم يمنعه من الحفاظ على شغفه بالهندسة. يخصص جزءاً من راتبه لشراء كتب ومجلات هندسية، ويقضي لياليه في تصفح المواقع المعمارية، وتطوير مهاراته على برامج التصميم. “كل ما أكون تعبان أو محبط، بتذكر الرسومات اللي كنت أعملها بالجامعة، بتخيل حالي بصمم مبنى كبير، وهذا بيعطيني أمل”.

عائلته.. المحرك الأكبر

خالد هو الابن الأكبر والوحيد العامل في أسرته. يقع على عاتقه توفير احتياجات المنزل من طعام وشراب، ودفع الإيجار الشهري الذي يشكل تحدياً كبيراً. “لما أرجع على البيت وبشوف إخوتي بيضحكوا ومبسوطين، كل تعب اليوم بيروح. هم الأهم، وهدفي إني أقدر أأمن لهم حياة كريمة”.

في بعض الأحيان، يشعر خالد بالخجل من عدم قدرته على إيجاد عمل في مجال تخصصه، خاصة عندما يسأله الأقارب أو الأصدقاء عن وظيفته. لكنه سرعان ما يتجاوز هذا الشعور، مدركاً أن الكفاح من أجل الأسرة ليس عيباً. “العمل مش عيب، العيب إنك تستسلم وما تحاول. أنا مهندس، حتى لو كنت ببيع قهوة اليوم، بكره ربنا بيفتحها علي”.

أمل لا ينطفئ

رغم قسوة الواقع، يتمسك خالد بأمل كبير في المستقبل. فهو لا يزال يرسل سيرته الذاتية باستمرار، ويتابع إعلانات الوظائف، ويحاول بناء شبكة علاقات في مجال الهندسة. “مرات بيجي مهندسين يشتروا قهوة من عندي، بتشجع وبحاول أحكي معهم، أورجيهم إني مهندس، ربما في يوم من الأيام أقدر أكون معاهم”.

يحلم خالد بامتلاك مكتب هندسي خاص به يوماً ما، أو على الأقل العمل في شركة تمنحه الفرصة لتطبيق ما تعلمه. وقبل كل شيء، يتمنى أن يتمكن من شراء منزل خاص لأسرته، ليخرج من دائرة الإيجار التي تستنزف جزءاً كبيراً من دخله.

قصة خالد هي قصة آلاف الشباب الأردنيين والعرب الذين يحملون شهادات جامعية ويواجهون تحديات البطالة. إنها دعوة لتقدير الصبر والإصرار، ولتسليط الضوء على الحاجة الملحة لإيجاد فرص عمل حقيقية للخريجين، حتى لا تظل أحلامهم معلقة بين كتب الجامعة ورائحة البن. خالد يبيع القهوة اليوم، لكن عينيه لا تزالان ترنوان إلى تصميم الغد.

Breaking News