المشهد المعاصر | أحمد وعلي.. رحلة الـ25 كيلومتراً بين رفاهية السيارة والنقل العام في الأردن

2 يونيو 2025Last Update :
المشهد المعاصر | أحمد وعلي.. رحلة الـ25 كيلومتراً بين رفاهية السيارة والنقل العام في الأردن

  • مهندسان يعملان جنباً إلى جنب لكن مساراتهما المالية تختلف باختلاف وسيلة النقل

على بُعد 25 كيلومتراً جنوب العاصمة عمّان، تقع شركة المقاولات التي يعمل فيها كل من أحمد وعلي. كلاهما مهندسان شابان، يقطنان في منطقة واحدة شمال العاصمة، ويعملان في القسم نفسه. لكنّ قصة رحلتهما اليومية إلى العمل تكشف عن فلسفتين مختلفتين في التعامل مع تكاليف الحياة، وتُقدّم نموذجاً حياً للتحديات الاقتصادية التي يواجهها الشباب الأردني.

أحمد: رفيق سيارته وعبء المصروفات

يستيقظ أحمد (28 عاماً)، مهندس مدني، قبل ساعة من موعد عمله ليُجهّز نفسه وينطلق بسيارته الخاصة. سيارته، وإن كانت توفّر له الراحة والخصوصية، إلا أنها تمثل عبئاً مالياً متزايداً على كاهله.


“صراحة، ما بقدر أتصور أروح على الشغل بدون سيارتي. الراحة أهم شيء، خاصة الصبح بدري، ما في غلبة وأنا اللي بتحكم بوقتي”، يقول أحمد وهو يملأ خزان الوقود في محطة قريبة. لكن هذه الراحة تأتي بثمن.

تكلفة رحلة أحمد اليومية (تقريبية):

الوقود: رحلة الذهاب والإياب (50 كيلومتراً يومياً) تستهلك كمية كبيرة من البنزين، خاصة مع ارتفاع أسعار المحروقات. تُقدَّر كلفة الوقود اليومية بنحو 4–5 دنانير.

الصيانة والتآكل: استهلاك السيارة يعني صيانة دورية، تغيير زيوت، إطارات، وقطع غيار. هذه التكاليف لا تظهر يومياً، لكنها تتراكم لتصل إلى مئات الدنانير سنوياً.

الاصطفاف: في بعض الأحيان، قد يضطر لدفع رسوم مواقف بالقرب من مكان عمله.

الاستهلاك: قيمة السيارة تتناقص مع الاستخدام، ما يمثل خسارة غير مباشرة.

يواجه أحمد صعوبة في توفير جزء كبير من راتبه، رغم أن دخله يُعد جيداً مقارنة بمتوسط الرواتب. “بنهاية الشهر، بلاقي حالي يا دوب مغطي المصاريف. البنزين والصيانة أكلوا جزء كبير من الراتب، وكل هذا عشان الراحة، مرات بحس إني بدفع ثمنها غالي”.

علي: رفيق النقل العام وخبير التوفير

على النقيض تماماً، يقف علي (27 عاماً)، مهندس معماري، في الحي نفسه، لكن رحلته إلى العمل تبدأ من محطة “باص عمّان” القريبة. يستخدم علي نظام النقل العام المتكامل: “باص عمّان”، ثم ينتقل إلى الباص السريع الترددي الذي يُوصله إلى محطة قريبة من عمله.

“أنا شايفها فرصة ممتازة أوفّر فيها فلوس. صحّ يمكن أطوّل شوي بالطريق، وأحياناً يكون في زحمة، بس المصاري اللي بوفرها بتفرق معي كثير”، يقول علي وهو يمرر بطاقة “باص عمّان” على الجهاز.

تكلفة رحلة علي اليومية (تقريبية):

الوقود/التذاكر: كلفة تذكرة “باص عمّان” والباص السريع زهيدة جداً مقارنة بالوقود. تُقدَّر كلفة الرحلة اليومية بنحو 1–1.5 دينار كحد أقصى.

لا صيانة ولا إهلاك: لا يتحمل علي أي تكاليف صيانة أو إهلاك للمركبة.

وقت إضافي: قد يمضي وقتاً أطول قليلاً في الطريق بسبب الانتظار أو التبديل بين الباصات، لكنه يستغل هذا الوقت أحياناً في قراءة الكتب أو تصفّح الإنترنت.

بفضل اعتماده على النقل العام، يوفر علي ما يقارب 60–70 ديناراً شهرياً من تكاليف الوقود وحدها، ناهيك عن التكاليف غير المباشرة للصيانة والاستهلاك. “المبلغ اللي بوفره كل شهر بجمعه، بستخدمه أحياناً لدورات تدريبية بتطورني بشغلي، أو لأدفع جزء من قسط دراسات عليا بفكر فيها”.

دروس من رحلتين: التخطيط المالي وتحديات البنية التحتية

قصة أحمد وعلي ليست مجرد مقارنة بين وسيلتي نقل؛ بل تعكس جوانب أعمق من التخطيط المالي، والوعي البيئي (النقل العام أكثر صداقة للبيئة)، وتأثير البنية التحتية للنقل على القرارات الشخصية.

فبينما يرى أحمد أن الراحة والمرونة تستحقان التكلفة الإضافية، يرى علي أن التوفير المستمر على المدى الطويل هو الأولوية، خاصة في ظل تحديات السكن وارتفاع تكاليف المعيشة.

هذه القصص اليومية تُبرز أهمية تطوير شبكة نقل عام فعالة ومتكاملة في عمّان. فكلما كانت هذه الشبكة أكثر كفاءة وشمولية، زادت الخيارات أمام الشباب، وقلت الضغوط المالية عليهم، وساهمت في التخفيف من الازدحام المروري والتلوث في العاصمة.

أحمد وعلي، مهندسان يعملان جنباً إلى جنب، لكن مساراتهما المالية تختلف باختلاف وسيلة النقل. قصتهما تدعو للتفكير في كيفية تحقيق التوازن بين الراحة الشخصية والاستدامة المالية في ظل الواقع الاقتصادي الراهن.

Breaking News