في تطور قانوني وسياسي مثير، تواجه كبريات شركات التكنولوجيا في العالم، وعلى رأسها “أبل” و”غوغل” و”T-Mobile”، خطر التعرض لتحقيقات موسعة وغرامات مدنية قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
ويأتي هذا الخطر نتيجة وقوع هذه الشركات في منطقة رمادية بين قانون فيدرالي نافذ يهدد بحظر تطبيق “تيك توك”، وأوامر تنفيذية أصدرتها إدارة الرئيس دونالد ترمب جمدت تطبيق هذا القانون مؤقتاً.
قانون معطّل وأوامر تنفيذية:
تعود جذور الأزمة إلى قانون وقّعه الرئيس السابق جو بايدن في أبريل/نيسان 2024، والذي منح شركة “بايت دانس” الصينية، المالكة لتطبيق “تيك توك”، مهلة 270 يوماً لبيع أصول التطبيق في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر كامل.
وكان الموعد النهائي لهذه المهلة يصادف يناير/كانون الثاني 2025، وهو الشهر الذي شهد تنصيب دونالد ترمب رئيساً لولاية ثانية.
ولكن، وبدلاً من تنفيذ القانون، أصدر الرئيس ترمب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي قامت بتجميد وتعطيل آلية الحظر، مما منح “تيك توك” فرصة للبقاء والاستمرار في العمل داخل السوق الأمريكية، وخلق حالة من الفوضى القانونية.
شرارة الأزمة
أشعل فتيل الأزمة القانونية الحالية أحد مساهمي شركة “ألفابت” (المالكة لغوغل)، توني تان، الذي كشف عن حجم المخاطر التي تواجهها الشركة. ففي خطوة جريئة، قرر تان رفع دعوى قضائية ضد “ألفابت” بسبب قرارها إعادة تطبيق “تيك توك” إلى متجر “غوغل بلاي”، بعد أن كانت قد أزالته لفترة وجيزة في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، التزاماً بالموعد النهائي الأصلي للقانون.
ويرى تان أن قرار “غوغل” بالرضوخ للأوامر التنفيذية وتجاهل القانون الفيدرالي الأصلي، يعرّض الشركة وأصول المساهمين فيها لخطر قانوني جسيم، قد يتمثل في غرامات تصل إلى 850 مليار دولار، وهو الرقم الذي نص عليه القانون الأصلي كعقوبة لأي شركة تساهم في بقاء التطبيق بشكل غير قانوني.
ولم تتوقف تحركات تان عند هذا الحد، بل تقدم بطلبات بموجب “قانون حرية المعلومات” للحصول على المراسلات بين الحكومة وشركات تقنية كبرى أخرى، منها “أبل”، “أمازون”، “مايكروسوفت”، “T-Mobile”، و”أوراكل”، للكشف عن طبيعة التوجيهات التي تلقتها.
تطمينات في وجه القانون
كشفت تحركات تان عن قيام إدارة ترمب في أبريل/نيسان 2025 بإرسال رسائل رسمية إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، تطمئنها بأنها لن تتعرض لعقوبات فورية جراء استمرارها في توفير خدمات لـ”تيك توك”. كانت هذه الرسائل بمثابة “خطابات راحة” تهدف إلى تهدئة مخاوف الشركات، لكنها لا تلغي المخاطر القانونية الكامنة في تجاهل قانون مصادق عليه.
معارضة سياسية وتحذيرات قانونية
أثارت أوامر ترمب حفيظة شخصيات سياسية بارزة في واشنطن. ففي مارس/آذار 2025، وجه أعضاء في مجلس الشيوخ، منهم إدوارد ماركي وكوري بوكر، رسالة إلى الرئيس ترمب، اعتبروا فيها أن تعطيل القانون عبر أوامر تنفيذية يمثل تجاوزًا خطيرًا للصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس.
ومن بين الوثائق البارزة التي تم الكشف عنها، رسالة وجهتها المدعية العامة بام بوندي إلى المستشارة القانونية لشركة أبل، كاثرين آدامز، تحذر فيها بشكل مباشر من المخاطر القانونية المترتبة على الاستمرار في دعم التطبيق الصيني، الذي يعتبره القانون “خاضعًا لسيطرة خصم أجنبي”.
مستقبل غامض
على الرغم من التطمينات المؤقتة التي تلقتها الشركات، فإن الصراع القانوني والسياسي حول مصير “تيك توك” ما زال محتدماً. لقد وضعت الأوامر التنفيذية عمالقة التكنولوجيا في موقف حرج، بين الامتثال لإدارة حالية والمخاطرة بانتهاك قانون فيدرالي قد يتم تفعيله في أي لحظة، مما يفتح الباب أمام تحقيقات وغرامات تاريخية قد تعيد رسم العلاقة بين واشنطن ووادي السيليكون.