المشهد المعاصر | تقرير.. الصحفي في عصر السوشيال ميديا.. هل تآكلت القيمة أم تغيرت معاييرها؟

ساعتين agoLast Update :
المشهد المعاصر | تقرير.. الصحفي في عصر السوشيال ميديا.. هل تآكلت القيمة أم تغيرت معاييرها؟

  • يرى العديد من الباحثين والإعلاميين أن صعود وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى تقليل القيمة التقليدية للصحفي

أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في طريقة إنتاج واستهلاك الأخبار، وفرضت واقعاً جديداً على مهنة الصحافة التي كانت تُعتبر حارسة بوابة المعلومات.

وفي خضم هذا الطوفان المعلوماتي، يبرز سؤال جوهري: هل قلل الشغل على السوشيال ميديا من قيمة الصحفي المهني أم أعاد تشكيلها؟

للإجابة على هذا السؤال واعتمادا  على دراسات وتقارير متخصصة، وجهي العملة: كيف أدت السوشيال ميديا إلى تآكل بعض جوانب قيمة الصحافة التقليدية، وفي المقابل، كيف خلقت فرصاً جديدة لتعزيز قيمة الصحفي الحديث.

أولاً: مظاهر تآكل القيمة التقليدية للصحفي

يرى العديد من الباحثين والإعلاميين أن صعود وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى تقليل القيمة التقليدية للصحفي من خلال عدة عوامل مترابطة:

انهيار دور “حارس البوابة” (Gatekeeper)

تاريخياً، كان الصحفي والمؤسسة الإعلامية هما من يقرران ما هو جدير بالنشر وما لا يستحق. لكن السوشيال ميديا، كما تشير دراسات حول “صحافة المواطن”، حولت كل فرد يمتلك هاتفاً ذكياً إلى “مواطن صحفي” قادر على بث الأخبار والصور من قلب الحدث مباشرة.


هذا التحول، بحسب دراسة منشورة في مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث، أربك المشهد الصحفي التقليدي وأفقد الصحفي احتكاره لعملية النشر.

طغيان السرعة على الدقة والمصداقية

تفرض منصات مثل “إكس” (تويتر سابقاً) وفيسبوك ضغطاً هائلاً لنشر الأخبار بشكل فوري. هذا السباق المحموم، وفقاً لتقرير صادر عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يدفع أحياناً الصحفيين والمؤسسات إلى نشر معلومات غير مكتملة أو غير دقيقة، خوفاً من “الخروج من الترند”، مما يضر بمصداقيتهم على المدى الطويل، وهي جوهر قيمة الصحفي.

انتشار الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي

أصبحت السوشيال ميديا بيئة خصبة لانتشار الأخبار الكاذبة. دراسة منشورة على منصة (EKB (Egyptian Knowledge Bank حول “دور مواقع التواصل الاجتماعي في بناء أجندة القائم بالاتصال” تشير إلى أن هذا التضليل يقوض ثقة الجمهور في وسائل الإعلام بشكل عام. وعندما يجد الجمهور صعوبة في التمييز بين المحتوى المهني الموثوق والشائعات، فإن القيمة المدركة للصحفي المحترف تتضاءل حتماً.

تسطيح المحتوى وخضوعه لـ “الخوارزميات”

أصبح نجاح المحتوى على السوشيال ميديا يقاس بمقاييس مثل عدد الإعجابات والمشاركات، وليس بالضرورة عمقه أو أهميته.

هذا الواقع يجبر الصحفيين أحياناً على تبسيط القضايا المعقدة أو التركيز على المواضيع المثيرة لتتماشى مع أهواء الخوارزميات، مما قد يقلل من القيمة التحليلية والمعرفية التي كانوا يقدمونها.

ثانياً: بناء قيمة جديدة للصحفي في العصر الرقمي

في المقابل، يرى فريق آخر من الخبراء أن السوشيال ميديا لم تلغِ قيمة الصحفي، بل أعادت تعريفها وخلقت فرصاً جديدة لتعزيزها، وذلك من خلال:

أداة للوصول إلى المصادر والقصص الحصرية

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً لا غنى عنه للصحفيين. دراسة ميدانية أجريت على الصحفيين العراقيين ونشرت في International Journal on Humanities and Social Sciences أظهرت أن التطبيقات الرقمية أصبحت “العمود الفقري” لعمل الصحفيين في إنجاز أعمالهم.

فمن خلالها، يمكن للصحفي الوصول مباشرة إلى شهود عيان، والتواصل مع مصادر رسمية، ورصد توجهات الرأي العام، والكشف عن قصص لم تكن لتصل إلى الإعلام التقليدي.

بناء العلامة التجارية الشخصية (Personal Branding) وتعزيز الثقة

أتاحت السوشيال ميديا للصحفيين فرصة غير مسبوقة لبناء “علامة تجارية شخصية” مستقلة عن مؤسساتهم. كما تشير تقارير شبكة الصحفيين الدوليين (IJNet)، يمكن للصحفي الماهر أن يتحول إلى مصدر موثوق بحد ذاته، يتابعه الجمهور لخبرته في مجال معين. هذا يبني علاقة ثقة مباشرة مع الجمهور، وهي قيمة أساسية في عالم الإعلام.

الصحفي الذي يمتلك مصداقية وعلامة شخصية قوية يصبح هو الوجهة في بحر المعلومات الفوضوي.

التحقق وتفنيد الشائعات.. الدور الأهم

في ظل طوفان الأخبار الزائفة، برز دور جديد وحيوي للصحفي، وهو دور “مدقق الحقائق” (Fact-Checker). أظهرت دراسة حول “مواقع التواصل الاجتماعي والتحقق في غرف الأخبار” نشرتها جامعة الشرق الأوسط (MEU) أن المؤسسات الإخبارية الكبرى أنشأت أقساماً خاصة للتحقق من المعلومات القادمة من السوشيال ميديا.

هنا، لا تكمن قيمة الصحفي في نشر الخبر أولاً، بل في تأكيده أو نفيه، مما يجعله صمام أمان ضد التضليل.

التفاعل مع الجمهور وفهم اهتماماته

كسرت السوشيال ميديا الحاجز بين الصحفي والجمهور. أصبح بإمكان الصحفيين تلقي ردود فعل فورية، وقياس مدى اهتمام الجمهور بمواضيع معينة، وإشراكهم في عملية إنتاج المحتوى. هذا التفاعل، إذا ما أُدير بحكمة، يعزز من قيمة العمل الصحفي ويجعله أكثر ارتباطاً بواقع الناس واحتياجاتهم.

الإجابة على سؤال “هل قللت السوشيال ميديا من قيمة الصحفي؟” ليست “نعم” أو “لا” ببساطة. لقد قللت من قيمته التقليدية كحارس بوابة ومحتكر للمعلومة، لكنها في المقابل رفعت من قيمته كمدقق للحقائق، ومحلل للسياق، ومصدر للثقة، وبانٍ لعلامة تجارية شخصية.

لقد تغيرت معايير تقييم الصحفي؛ فقيمته اليوم لا تُقاس بسرعة نشره للخبر، بل بقدرته على الإبحار في محيط المعلومات الهائل، وانتشال الحقيقة، وتقديمها للجمهور في سياق واضح ومفهوم وموثوق.

في عصر الفوضى المعلوماتية، أصبحت الحاجة إلى صحافة مهنية قادرة على الفرز والتحليل والتحقق أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وهنا تكمن القيمة الحقيقية والمستقبلية للصحفي.

Breaking News