نشر :
منذ دقيقتين|
خالد: راتبي وراتب زوجتي يذهبان مباشرة لسداد الأقساط والالتزامات
على طاولة طعامهم في أحد أحياء العاصمة عمان، لا يجتمع خالد وزوجته سارة لتناول وجبة هادئة، بل لفتح جولة جديدة من الحسابات المعقدة. بين أيديهم تتناثر أوراق الأقساط المدرسية لأبنائهم الأربعة، وإشعارات الزيادة السنوية، في مقابل كشوفات رواتبهم التي تبدو أصغر من أي وقت مضى.
إنها حكاية آلاف الأسر الأردنية من ذوي الدخل المتوسط، التي تجد نفسها في معركة يومية لتأمين ما تعتبره “الاستثمار الأهم”: تعليم نوعي لأبنائها.
خالد وسارة، موظفان في القطاع الخاص، لديهما أربعة أبناء يمثلون كل مراحل التعليم المدرسي. الأكبر سناً، دخل هذا العام الصف الأول الثانوي في المسار الأكاديمي ضمن نظام “التوجيهي” الجديد، والثاني في الصف العاشر، وابنتهما الثالثة في السابع، وأصغرهم في الصف الثاني الابتدائي. أربعة أبناء يعني أربعة أقساط مختلفة، أربعة أزياء مدرسية، وأربعة أضعاف من المتطلبات التي تستنزف دخل الأسرة بالكامل.
رحلة استنزاف شهرية
يقول خالد بنبرة تمزج بين الفخر والتعب: “راتبي وراتب زوجتي يذهبان مباشرة لسداد الأقساط والالتزامات.
بالكاد نغطي المصاريف الأساسية لم نعد نملك ترف التفكير في السفر أو تغيير الأثاث أو حتى الادخار للمستقبل كل مدخراتنا هي شهادات أبنائنا المدرسية”.
وتضيف سارة، التي تضطر لمتابعة العروض في المتاجر وتدوين كل دينار يتم إنفاقه: “نعمل ليلاً ونهاراً لنؤمن لهم ما نظن أنه الأفضل مع دخول ابننا الأكبر للنظام الجديد، ارتفعت الأقساط بشكل ملحوظ، وأصبحت التكاليف الإضافية من كتب ومستلزمات عبئاً إضافياً لم يكن في الحسبان”.
لماذا التعليم الخاص؟.. “خوف على المستقبل
عند سؤالهما عن سبب عدم اللجوء للمدارس الحكومية المجانية، تجيب سارة بحسرة: “القرار ليس ترفاً، بل هو خوف على مستقبلهم. نسمع ونرى الاكتظاظ الشديد في الفصول الدراسية بالمدارس الحكومية، ونقص بعض الكوادر، وضعف الاهتمام باللغات الأجنبية والأنشطة اللامنهجية. نريد أن نمنح أبناءنا أفضل فرصة ممكنة لمنافسة أقرانهم في المستقبل، ونشعر أن التعليم الخاص، رغم تكلفته الباهظة، هو الطريق الأكثر أماناً حالياً”.
ويتفق معها خالد مضيفاً: “نحن ندفع ضريبة مرتين: مرة كضريبة دخل للدولة التي من المفترض أن توفر تعليماً جيداً، ومرة أخرى كأقساط للمدارس الخاصة لأننا لا نجد تلك الجودة التي نطمح إليها في القطاع العام. لو كانت المدارس الحكومية بنفس مستوى الاهتمام والرعاية، لما ترددنا لحظة في تسجيل أبنائنا بها، ولكنا وفرنا هذه المبالغ الطائلة لتحسين مستوى معيشتنا”.
مطلب وليس شكوى
لا تقتصر قصة خالد وسارة على الشكوى، بل تحمل في طياتها مطلباً واضحاً ومباشراً للحكومة وصناع القرار، يقول خالد: “نتمنى أن تنظر الحكومة إلى التعليم كأولوية استثمارية حقيقية يجب رفع مستوى المدارس الحكومية، وتطوير بنيتها التحتية، وتأهيل معلميها بشكل مستمر، وتخفيف الاكتظاظ في الفصول. عندما يحدث ذلك، لن تضطر آلاف الأسر مثلنا إلى تحمل هذا العبء المالي الخانق، وسيعود ذلك بالفائدة على الاقتصاد والمجتمع ككل”.
وإلى أن يتحقق ذلك، يستمر خالد وسارة في رحلتهما اليومية، يقلبان الأوراق ويحسبان النفقات، وكل أملهما أن يكون استثمارهما في تعليم أبنائهما هو الطريق نحو مستقبل أفضل يستحق كل هذا العناء.