- فرض أي تعريفات جمركية جديدة قد يؤدي إلى تفاقم هذا النقص المزمن
في عالم مترابط، قد تبدأ رحلة قرص الدواء الذي تتناوله في الصين، وتمر مكوناته الفعالة عبر الهند، ليتم تصنيعه بشكله النهائي في الأردن قبل أن يصل إليك.
هذه الشبكة العالمية المعقدة التي تشكل سلسلة توريد الأدوية تواجه اليوم تهديدًا مباشرًا قد يؤثر على ملايين المرضى حول العالم، وذلك بسبب التعريفات الجمركية التي لوّح بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مما سلط الضوء على سؤال جوهري: أين تُصنّع أدويتنا حقًا؟
صورة معقدة.. رحلة الدواء عبر القارات
كشفت بيانات شاركها “دستور الأدوية الأمريكي” (U.S. Pharmacopeia)، وهو منظمة غير ربحية تضع معايير الجودة، أن رحلة تصنيع الدواء ليست بسيطة على الإطلاق.
فبدلاً من أن يُصنع الدواء في بلد واحد، غالبًا ما يستورد مصنع في دولة ما المواد الخام اللازمة لإنتاج المكونات الصيدلانية الفعالة، ثم يشحنها إلى مصنع في دولة أخرى لتحويلها إلى شكلها النهائي كأقراص، حقن، أو شراب.
وأظهرت البيانات وجود تقسيم جغرافي واضح:
الأدوية الحديثة والمبتكرة: تميل الأدوية الجديدة باهظة الثمن والمحمية ببراءة اختراع (مثل أدوية السرطان والسمنة) إلى أن تُصنّع مكوناتها الفعالة في أوروبا أو الولايات المتحدة.
الأدوية الجنيسة (البديلة): تسيطر الهند والصين على سوق الأدوية الجنيسة منخفضة التكلفة (مثل أدوية الكوليسترول والمضادات الحيوية) التي تشكل غالبية الوصفات الطبية عالميًا.
الأردن: لاعب رئيسي في إمدادات المضادات الحيوية
في مثال لافت على الدور الأردني في هذه الصناعة، يُعد دواء الأموكسيسيلين، وهو مضاد حيوي حيوي للسوق الأمريكي، نموذجًا واضحًا.
فبينما تُنتج مكوناته الفعالة في أربع دول مختلفة، يتولى الأردن مهمة تحويل هذه المكونات إلى دواء نهائي وتوريد 46% من إجمالي حاجة السوق الأمريكي، مما يجعله شريكًا استراتيجيًا في الأمن الدوائي للولايات المتحدة.
ويواجه هذا النوع من الأدوية خطرًا مزدوجًا بسبب هوامش ربحه الضئيلة واعتماده على سلاسل توريد معقدة، مما يجعل أي تعريفات جمركية جديدة سببًا محتملاً في حدوث نقص حاد.
عمالقة الأدوية.. من الدنمارك إلى الصين
حقن من الدنمارك: أدوية السكري وإنقاص الوزن الشهيرة مثل أوزمبيك وويغوفي، تُصنّع مكوناتها الفعالة بالكامل في الدنمارك بواسطة شركة “نوفو نورديسك”، بينما يتم تقسيم عملية التغليف النهائي بين الدنمارك والولايات المتحدة.
تحوُّل نحو الهند: بعد انتهاء براءة اختراع دواء الفياجرا الشهير من شركة فايزر، انتقلت صناعته بالكامل تقريبًا إلى الهند التي أصبحت المصدر الرئيسي للمنافسين من الأدوية الجنيسة منخفضة التكلفة.
جذور عميقة في الصين: أدوية شائعة لعلاج ضغط الدم مثل اللوسارتان تعتمد بشكل كبير على المكونات الفعالة المصنعة في الصين، وهو ما يعتبره المشرعون الأمريكيون “نقطة ضعف في الأمن القومي”.
خطر النقص يلوح في الأفق
يرى خبراء سلاسل التوريد أن أدوية حيوية تستخدم في المستشفيات، مثل حقن التخدير الموضعي الليدوكائين، معرضة بالفعل لخطر النقص المتكرر بسبب تعقيد إنتاجها وهوامش ربحها الضئيلة.
ويخشى الخبراء من أن فرض أي تعريفات جمركية جديدة قد يؤدي إلى تفاقم هذا النقص المزمن، مما يضع المستشفيات والمرضى في موقف حرج.
وفي الختام، تُظهر خريطة إنتاج الأدوية اعتمادًا عالميًا متبادلاً لا يمكن تجاهله، وتوضح أن أي اضطراب سياسي أو اقتصادي في جزء من العالم يمكن أن يتردد صداه في صيدلياتنا المحلية.