- نصري يكشف: تكفين جثث المعتقلين في مستشفى تشرين العسكري ضمن فصول التعذيب
في حلقة جديدة ومؤثرة من برنامج “ما بعد الأسد” على قناة “المشهد المعاصر”، كشف المواطن السوري هشام نصري، وهو جندي منشق من دمشق، عن فصول مرعبة من رحلته في أقبية النظام السوري السابق، من لحظة اعتقاله في عام 2012 وصولاً إلى “مقبرة الأحياء” في سجن صيدنايا.
شهادة نصري لا تقف عند حدود التعذيب الجسدي والنفسي، بل تتجاوزها إلى كشف ممارسات مروّعة أُجبر عليها، وعلى رأسها تكفين جثث المعتقلين في مستشفى تشرين العسكري.
من رفض الأوامر إلى الانشقاق
بدأت مأساة هشام نصري، المتزوج وأب لطفلين، بلحظة إنسانية كلّفته حريته. يروي أنه أثناء خدمته العسكرية في ورشة للمركبات، طُلب منه في دورية لتنظيم طابور الخبز أن يضرب رجلاً مسناً بأمر من قائده. وعندما رفض هشام الامتثال لهذا الأمر اللاإنساني، كانت عقوبته السجن ليوم واحد.
هذه الحادثة كانت الشرارة التي دفعته إلى اتخاذ قرار الانشقاق. ففي اليوم التالي، مُنع من الحصول على إجازة لزيارة عائلته في عرطوس بحجة “حالة الاستنفار”. إلا أن هشام اختار عائلته، فغادر وحدته العسكرية دون عودة، لتبدأ فصول معاناته بعد ثمانية أشهر من الاختباء في منزله.
رحلة العذاب في الأفرع الأمنية
فجر أحد الأيام، حاصرت دورية أمنية منزله. وبعد تدقيق أمني شمل جميع سكان البناية، كان هشام هو الوحيد الذي تم احتجازه بعد الكشف عن هويته كـ”عسكري منشق”. يصف نصري كيف انهالوا عليه بالضرب المبرح في الشارع قبل اقتياده إلى مفرزة الأمن في عرطوس.
كانت تلك مجرد البداية لرحلة طويلة ومؤلمة بين الأفرع الأمنية، حيث نُقل إلى “فرع 215” سيئ السمعة، ثم إلى فرع آخر في دمشق. يروي هشام: “أنزلوني إلى قبو تفوح منه رائحة الموت”. هناك، تعرض لأبشع أساليب التعذيب وهو معصوب العينين، من الضرب الشديد إلى ما يُعرف بـ”البلانكو”، حيث رُبطت قدماه للأعلى وغُطّس رأسه في الماء حتى شارف على الموت، قبل أن يسعفه زملاؤه في الزنزانة.
صيدنايا.. حيث يبكي الرجال بلا دموع
بعد تحويله إلى محكمة الإرهاب، كانت وجهته النهائية سجن صيدنايا. يصف هشام شعوره لحظتها بأنه أصبح “في عداد الموتى”، حيث كان يبكي من شدة القهر دون أن تذرف عيناه دمعة واحدة.
فور وصوله، تعرض لتعذيب وحشي قبل أن يتم تحويله إلى المهجع الثامن. وحتى أبسط الحقوق الإنسانية كانت جريمة؛ فعندما ألمّت به أسنانه، لاحظه أحد السجانين ونقله إلى طبيب السجن، وهناك، وبدلاً من العلاج، قام السجان بضربه على وجهه وتكسير أسنانه.
مستشفى تشرين: مهمة تكفين الجثث
تأخذ شهادة نصري منحى أكثر رعباً عندما يروي تفاصيل نقله إلى مستشفى تشرين العسكري. يقول إنه عند وصوله، كان المستشفى خالياً تماماً إلا من ساحة مكتظة بالجثث. هناك، تعرض لمزيد من الاعتداء وأُجبر على نزع ملابس الجثث ووضعها في أكياس.
يقول بصوت متهدج: “قمت بتكييس ما يقارب 120 جثة، وكل ما كان يدور في ذهني أنني سأكون قريباً داخل أحد هذه الأكياس”.
الحرية والندوب التي لا تندمل
بشكل مفاجئ، أصدر القضاء العسكري أمراً بإخلاء سبيله وإعادته إلى وحدته العسكرية. لكن هشام الذي خرج لم يكن هو نفسه الذي دخل. تروي زوجته، التي لم تتوقف يوماً عن البحث عنه، أنه عند عودته لم يتعرف عليها أو على ابنه، وكان يتصرف بغرابة وينام على الأرض من هول الصدمة النفسية.
ولم تنتهِ مآسيه عند هذا الحد، فقد توفي ابنه بعد 5 سنوات في العناية المشددة نتيجة خطأ طبي، وهي فترة لم يتمكن هشام من زيارته فيها سوى 3 مرات خوفاً من إعادة اعتقاله عند إبراز هويته.
واختتم هشام نصري شهادته التي حبست الأنفاس، بالحديث عن يوم “التحرير”، حيث سجد على الأرض وأمضى نهاره باكياً، موجهاً رسالة أخيرة لمن كان السبب في معاناته: “الله لا يسامحه”.